نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خروج فرنسا من بلاد الكاكاو, اليوم الخميس 9 يناير 2025 04:20 مساءً
في يناير 2025، أعلن الرئيس الإيفواري الحسن وتارا انسحاب القوات الفرنسية من كوت ديفوار. خطوة بدت وكأنها صفحة تُطوى من كتاب الاستعمار، لكنها ربما تكون فصلاً جديدًا في صراع طويل بين الماضي والحاضر.
لم تكن فرنسا مجرد حاضرة مؤقتة في كوت ديفوار؛ لعقود، لعبت دور الوصي الذي يُطيل مرحلة الطفولة السياسية والاقتصادية للبلاد. فبعد الاستقلال عام 1960، ظلت هذه الدولة الأفريقية تتنفس عبر حبل سري يمدها بالقوة، لكنه يقيد حركتها. سيطرة على الاقتصاد، وتحكم في السياسات، واستنزاف للموارد تحت مسمى "الشراكة".
لكن انسحاب الجيوش، وإن كان لافتًا، لا يعني بالضرورة زوال النفوذ الاستعماري كما يقول التاريخ، ليس مجرد احتلال عسكري؛ إنه نظام ثقافي واقتصادي واجتماعي، يترك ظلاله في كل زاوية، من المدارس إلى الأسواق. وكما قال الدكتور مصطفى محمود: "الحرية ليست في أن تختار سيدك، بل في أن لا يكون لك سيد." وهنا تكمن معضلة كوت ديفوار؛ هل يمكن أن تحقق حريتها الحقيقية، أم أن التاريخ يعيد نفسه بأشكال جديدة؟
الفراغ الذي قد تخلفه فرنسا لا يبقى طويلاً، إذ تتنافس قوى جديدة على سدّه. الصين بمبادراتها التنموية، وروسيا بتحالفاتها الجيوسياسية، والمؤسسات الدولية بوعود التمويل. لكن هذا التعدد في الخيارات قد يكون مجرد استبدال وصاية بأخرى.
إن الحديث عن الاستقلال الكامل لا يمكن أن يتجاهل دور الشعب في صنع المستقبل. الدول لا تُبنى فقط بالإرادات، بل تحتاج إلى مجتمع واعٍ، مدرك لتاريخه، ومُجهّز بأدوات بناء المستقبل كما قال تشيخوف: "المعرفة وحدها لا تكفي لتغيير المصير، الأهم هو الإرادة"، وكوت ديفوار اليوم بحاجة إلى تلك الإرادة، لتصوغ استقلالها على أسس متينة.
بين ظلال الماضي وشمس المستقبل، تقف كوت ديفوار أمام مفترق طرق: إما أن تظل مرآتها عاكسةً لهيمنة القوى الكبرى، أو تصنع مرآة خاصة بها، تعكس هويتها الحقيقية. هذا الطريق لن يكون سهلاً، لكنه الوحيد الذي يضمن للأمة حريتها واستقلالها.
وكما علّمنا التاريخ، فإن الأمم التي تصنع مستقبلها هي تلك التي تملك شجاعة كسر القيود، مهما كان الثمن. اليوم، تمتلك كوت ديفوار فرصة نادرة لتكتب فصلاً جديدًا في تاريخها، لكنها بحاجة إلى إرادة صادقة ووعي عميق لتجعل من هذا الانسحاب بداية حقيقية لتحررها.
0 تعليق