نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
البطالة لغم مرشح للانفجار!, اليوم الثلاثاء 21 يناير 2025 11:37 صباحاً
ليس هناك من شك في أن البطالة إحدى أبرز الظواهر الاجتماعية والاقتصادية التي باتت تقلق الكثير من الأسر وتؤرق المسؤولين ليس فقط في المغرب، بل في جميع بلدان العالم حتى المتقدمة منها. لذلك تسعى الحكومات جاهدة إلى محاولة إيجاد الحلول الناجعة للحد من تداعياتها، معتمدة في ذلك بالدرجة الأولى على جلب وتشجيع الاستثمار وتبسيط المساطر الإدارية أمام المستثمرين من داخل وخارج البلاد، من أجل خلق فرص شغل مناسبة للعاطلين وفي مقدمتهم حملة الشهادات العليا من الجامعات والمعاهد المغربية وغيرها من مؤسسات التكوين.
ويجمع الكثير من المراقبين والخبراء الاقتصاديين والفاعلين السياسيين على أن البطالة هي أشد الآفات فتكا بالأفراد والمجتمع، وهي حالة عدم وجود شغل لشخص قادر على الإنتاج، مما قد يؤثر على حالته النفسية والعاطفية، ويؤدي به ولو بعد حين إلى الشعور باليأس والإحباط والاكتئاب والانطواء على النفس، بعد أن يكون فقد الثقة في المؤسسات والمنتخبين، فضلا عما تحدثه من تدهور في العلاقات العائلية والاجتماعية، جراء تزايد الضغوطات النفسية والمادية التي يواجها العاطلون الشباب، إلى الحد الذي يدفع ببعضهم إلى الانحراف وتعاطي المخدرات، مع كل ما يمكن أن ينجم عن ذلك من مشاكل جد معقدة.
وتأتي هذه الورقة بمناسبة ما كشف عنه المندوب السامي للتخطيط شكيب بنموسى المحسوب على حزب رئيس الحكومة، خلال أول مؤتمر صحفي في منصبه الجديد عقده يوم الثلاثاء 17 دجنبر 2024، من معطيات رسمية عن تفاصيل عملية "الإحصاء العام للسكان والسكنى برسم عام 2024" التي جرت في شهر شتنبر الأخير بمختلف أقاليم المملكة، وعن ارتفاع معدل البطالة في المغرب سنة 2024، حيث انتقل المعدل من 16,2 في المائة سنة 2014 إلى 21,3 في المائة سنة 2024، وهي أرقام لا تختلف كثيرا عما ظلت الحكومة تشكك في مدى صحتها في عهد المندوب السامي السابق أحمد علمي الحليمي. إذ وصفها الكثير من متتبعي الشأن العام ببلادنا بالصادمة والمخيفة، لما يمكن أن يكون لها مستقبلا من انعكاسات خطيرة على أمن المغرب واستقراره، ولاسيما أنه مقبل على تنظيم تظاهرات رياضية كبرى وخاصة في كرة القدم: "كأس إفريقيا للأمم عام 2025" و"كأس العالم 2030" في ملف مشترك مع كل من إسبانيا والبرتغال.
فأن يصل معدل البطالة خلال السنة الجارية 21 في المائة أي ما يعادل خمس المغاربة في سن العمل، علاوة على أن المعدل لدى النساء بلغ 25,9 في المائة مقابل 29,6 في المائة عام 2014، ليس له من معني سوى أن الحكومة التي طالما تعهد رئيسها أخنوش بأن يجعل من التشغيل رأس أولويات الحكومة خلال النصف الثاني من ولايتها، لم تستطع رفع التحديات في تقليص أعداد العاطلين في أوساط الشباب، علما أن التشغيل أصبح أكثر القضايا الوطنية إلحاحا وهاجسا رئيسيا لدى آلاف الأسر المغربية، عدا عن وجود آلاف الشباب خارج أسوار المدارس التعليمية ومراكز التكوين وسوق الشغل، إذ هناك حوالي 4,3 مليون شاب وشابة بلا دراسة، ولا تكوين ولا شغل، مما يزيد من تفاقم الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
ذلك أنه رغم تأكيده على أن حكومته ستعمل على إنهاء أزمة البطالة، متعهدا بأن التشغيل سيكون في صدارة الأولويات، فإن الأرقام المعلن عنها رسميا تظهر بوضوح أن هذه الأزمة تحولت إلى لغم قابل للانفجار في أي لحظة وحين، وأن المبادرات الحكومية مثل "أوراش" و"فرصة" و"انطلاقة" لم تكن كافية، بعدما اتضح أنها غير قادرة على تحقيق الأهداف المرجوة، بل إنها وحسب رأي عدد من المراقبين وتقارير مؤسسات وطنية، خلفت نتائج سلبية دون ما كان متوقعا منها. وهو ما جعل المعارضة تطالب في أكثر من مناسبة بضرورة التحرك العاجل في اتجاه نزع فتيل التوتر الاجتماعي المتنامي بشكل لافت، والعمل بجدية على ابتكار أنجع الحلول المناسبة لهذه الآفة المقلقة.
ففي ضوء هذه الأرقام المخيفة يرى محللون ومهتمون بالشأن الاقتصادي كثر أن ارتفاع معدل البطالة إلى مستويات قياسية في السنوات الأخيرة، يعود بالأساس إلى عدة أسباب وفي مقدمتها استمرار موجة الجفاف، خاصة أن القطاع الفلاحي يعد أكبر القطاعات وأكثرها استقطابا لليد العاملة، ضعف التكوينات وعدم ملاءمتها لحاجيات سوق الشغل وغيرها كثير، بالإضافة إلى أن المعطيات المسجلة حاليا تحول دون قدرة الحكومة على الوفاء بوعودها وتنفيذ التزاماتها فيما يتعلق بخلق مليون فرصة عمل في أفق سنة 2026، كما أن رفع نسبة نشاط النساء إلى 30 في المائة صار شبه مستحيل، خاصة أن المعدل الحالي لا يتجاوز 19 في المائة.
إنه لا سبيل أمام الحكومة في مواجهة تحدي أزمة البطالة، عدا برفع نسبة النمو الاقتصادي وزيادة ثروة البلاد وتوزيعها، التعجيل بابتكار حلول واقعية، بعيدا عن تلك الحلول الترقيعية والتقليدية المتجاوزة، التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص في تحفيز سوق الشغل وخلق فرص عمل حقيقية ومستدامة. الحرص على تنفيذ ما سبق أن وعد به رئيسها أخنوش حول اعتماد الرؤية الملكية، التي شكلت منهاجا لعمل حكومته في ظل إشكالات التشغيل وضمان استدامته، لإرساء الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. وكذا مواصلة المجهود الاستثماري المنتج وتوفير الشروط والآليات اللازمة للتنشيط الاقتصادي وريادة الأعمال، وتعزيز ركائز اقتصاد وطني أكثر إنصافا، يساهم في ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية.
0 تعليق