نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق .. معادلة الصمود والانتصار, اليوم الأربعاء 15 يناير 2025 11:22 مساءً
نشر في الشروق يوم 15 - 01 - 2025
الحديث عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس في غزّة، يجرّ بداهة إلى الإقرار بأن دلالات هذا الاتفاق وموقعه في معادلات الصراع الممتد لعقود بين الشعب الفلسطيني ومحتله تصبّ جميعها في زاوية انتصار المقاومة التي واجهت أعتى آلات الحرب.
فاستقراء سياقات اللحظة تمرّ عبر وضع هذه الجولة من العدوان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطيني في غزّة في سياق الحروب غير المتوازية التي تخاض بين قوة نظامية تمتلك كل أشكال التفوق العسكري والتكنولوجي، وبين مجموعات مقاومة تعتمد على إرادة شعبها وابتكار أساليب المواجهة، إذ وفقاً للتحليلات الاستراتيجية، فإن انتصار أي قوة نظامية في هذا النوع من الحروب يمر عبر تحقيق أهداف محددة من ضمنها فصل المقاومة عن بيئتها الحاضنة، إنهاء المعركة بتسليم السلاح، تحقيق سيطرة كاملة على الوعي الجمعي للشعب من خلال الهيمنة الإعلامية، وسلب أي إرادة للصدام مستقبلاً.
و عند تقييم العدوان الصهيوني على غزّة وفق هذه المعايير، تبدو الصورة واضحة، فالاحتلال لم يتمكن من تحقيق أي من أهدافه الاستراتيجية، فعلى مدى أسابيع من القصف الوحشي والدمار الشامل، لم تتمكن الآلة العسكرية الصهيونية من كسر إرادة الشعب الفلسطيني أو عزله عن مقاومته، بل ما حصل هو العكس تماما، حيث شهدت غزّة مشاهد غير مسبوقة من التلاحم بين الأهالي وفصائل المقاومة، ما أعاد تأكيد أن هذه الأرض الحاضنة لا يمكن فصلها عن مشروع التحرر الوطني.
كما لم يسفر العدوان الغاشم الذي مارسته آلة الحرب الصهيونية الفاشية عن فرض أي شروط استسلام على المقاومة، فرغم الحصار المشدد ومحاولات إخماد قدراتها العسكرية، ظلت المقاومة تحتفظ بقدرتها على الرد وإظهار تماسكها التنظيمي والعسكري، بل أكثر من ذلك، حيث نجحت في استنزاف الاحتلال، ليس فقط على المستوى الميداني، بل أيضاً على الصعيد السياسي والإعلامي.
إن إعلان اتفاق وقف إطلاق النار المرتقب في هذه الظروف، لا يمكن اعتباره إلا نصراً معنوياً واستراتيجياً للمقاومة، فالاحتلال الذي رفع شعارات القضاء على قدرات المقاومة واستئصالها، يجد نفسه مضطراً للجلوس على طاولة المفاوضات وقبول شروط لا يمكن وصفها إلا بالإذعان لمعادلة الردع التي فرضتها المقاومة.
من جهة أخرى، كشفت هذه الجولة عن هشاشة الاحتلال في إدارة صراعاته، إذ فشل في تحقيق التفوق النفسي والإعلامي الذي يراهن عليه دائماً لترسيخ صورته كقوة لا تقهر، فصور الدمار في غزّة، ومشاهد الأطفال تحت الأنقاض، والقصص المؤلمة للعائلات المشرّدة، أطاحت بالرواية الإسرائيلية عالمياً، وجعلت قضيته خاسرة حتى بين أقرب حلفائه.
ولم تكن هذه المعركة فقط صراعاً على الأرض، بل أيضاً معركة رموز وإرادات، فحين يرفع الأسرى المحررون إشارات النصر ويعودون إلى أحضان عائلاتهم، فإنهم يقدمون رسالة واضحة، فالاحتلال قد يمتلك القوة العسكرية، لكنه عاجز عن كسر إرادة الحرية، وعندما تستمر غزّة في المقاومة رغم الحصار والقصف، فإنها تؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يقبل الخضوع أو التراجع عن مشروعه الوطني.
فالاتفاق المرتقب، إذن، ليس مجرد إنهاء لجولة من العدوان، بل هو شهادة جديدة على فشل الاحتلال في فرض معادلاته بالقوة، وهو أيضاً رسالة للعالم بأن المقاومة الفلسطينية ليست فقط قوة عسكرية، بل مشروع تحرر يمتد بامتداد الجغرافيا والزمان.
و لا شكّ أن النصر الحقيقي يكمن في صمود الإرادة في وجه القوة الغاشمة، وما تحقق في غزّة خلال هذه الجولة يؤكد أن الشعب الفلسطيني ومقاومته قادران على إفشال مخططات الاحتلال، مهما بلغت قوته.
والاتفاق المرتقب لا يمكن تبويبه إلا في خانة إعلان هزيمة الاحتلال في تحقيق أهدافه، والتأكيد على أن المقاومة ليست مجرد قوة عسكرية، بل مشروع تحرر يستمد قوته من إرادة الشعب وعدالة القضية، وما دام الاحتلال عاجزاً عن كسر هذه الإرادة، فإن النصر سيظل دائماً حليف الشعب الفلسطيني.
هاشم بوعزيز
.
0 تعليق