بهدف تعميق التعاون بين البلدين، وقّع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود، إعلاناً سياسياً مشتركاً يقضي برفع مستوى العلاقات بين القاهرة ومقديشو إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية الشاملة».
جاء توقيع «الشراكة الاستراتيجية» عقب محادثات جرت بين السيسي وشيخ محمود في القاهرة، الخميس، تناولت «الأوضاع الأمنية والسياسية في منطقة القرن الأفريقي، وأمن البحر الأحمر»، وأكد السيسي وشيخ محمود في تصريحات عقب المحادثات، أن «التعاون بين البلدين لا يستهدف تهديد أحد».
وهذه ثالث زيارة للرئيس الصومالي إلى القاهرة خلال عام، فيما أشار الرئيس المصري إلى أن لقاءه نظيره الصومالي، هو الرابع منذ يناير (كانون ثاني) 2024، وقال إن «علاقة مصر والصومال تشهد تطوراً كبيراً».
وعززت القاهرة من دعمها لمقديشو عقب أزمة الصومال مع إثيوبيا، خصوصاً بعد مساعي أديس أبابا للحصول على منفذ بحري بالاتفاق مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وهو ما عدَّته مصر «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداءً على السيادة الصومالية».
وأكد السيسي، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الصومالي، الخميس، أن «مصر ستظل دائماً داعمة للصومال»، مشيراً إلى أن «أمنه واستقراره جزء لا يتجزأ من أمن مصر»، وقال إن التوقيع على إعلان الشراكة الاستراتيجية «إطلاق لعهد جديد من التعاون العميق، بما يشمله من محاور سياسية وعسكرية وثقافية واقتصادية».
ويقضي اتفاق «الشراكة الاستراتيجية» بـ«إجراء مشاورات سياسية سنوية على مستوى القمة لمتابعة تطورات العلاقات وتعزيز التعاون في مختلف المجالات»، حسب الرئيس المصري.
وناقش السيسي وشيخ محمود تفعيل «بروتوكول» التعاون العسكري، الموقَّع في أغسطس (آب) 2024، ومشاركة القوات المصرية في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال.
وشدد الرئيس المصري على أن مشاركة بلاده في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة «لا تستهدف تهديد أي دولة، بل تحقيق الأمن والاستقرار في الصومال والتضامن معه»، معتبراً أن «مشاركات مصر على مدار أكثر من 30 عاماً في الصومال، إيجابية».
وتعزيزاً للتعاون العسكري، وقَّعت القاهرة ومقديشو، في أغسطس الماضي، بروتوكول تعاون عسكري، واتفق البلدان حينها على مشاركة مصر في البعثة الأفريقية لحفظ السلام خلال الفترة من 2025 إلى 2029، كما دعمت القاهرة مقديشو بمعدات عسكرية.
الرئيس الصومالي، من جانبه، قال إن «اتفاق الشراكة الاستراتيجية يخدم مصالح البلدين، ولا يعني الإضرار بمصالح دول أخرى»، مؤكداً في كلمته خلال المؤتمر الصحافي، أن الاتفاق «يعكس الإصرار على تطوير التعاون، في مواجهة الإرهاب، وبناء القدرات»، وعدّ دعم القاهرة «سيسهم في تعزيز قدرة بلاده على الصمود في مواجهة التحديات المختلفة».
المحادثات المصرية – الصومالية ناقشت «الأوضاع الأمنية والسياسية في منطقة القرن الأفريقي، وأمن البحر الأحمر»، وأشار السيسي إلى «اتفاقه مع نظيره الصومالي على ضرورة تكثيف جهود حفظ السلم والأمن في تلك المنطقة»، إلى جانب تأكيد «أهمية قمة (أسمرة) بين مصر والصومال وإريتريا، وضرورة عقد جولة ثانية لها، لتعزيز الشراكة والتنسيق في الموضوعات الإقليمية».
واستضافت العاصمة الإريترية أسمرة، قمة ثلاثية لقادة مصر والصومال وإريتريا، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وناقشت «سبل تعزيز العلاقات بين الدول الثلاث في مختلف المجالات، وجهود ترسيخ الاستقرار والأمن في القرن الأفريقي والبحر الأحمر»، حسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية» حينها.
على الصعيد الثنائي، ناقش الرئيسان المصري والصومالي، الخميس، «التعاون في مجالات الاقتصاد والصحة والقضاء»، وأشار شيخ محمود إلى أن «انطلاق رحلات الطيران المباشر بين القاهرة ومقديشو يمثل بداية التحرك لتعزيز الشراكة والروابط بين البلدين في مختلف المجالات».
ودشنت الحكومة المصرية في يوليو (تموز) الماضي، خط الطيران المباشر بين القاهرة ومقديشو، بهدف تعزيز العلاقات المصرية مع دول القرن الأفريقي.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية في «المعهد العالي للدراسات الأمنية» بالصومال، حسن شيخ علي، أن اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين مصر والصومال «يحمي مصالح البلدين خصوصاً في منطقة القرن الأفريقي»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «التأكيد أن وجود قوات مصرية ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي لا يمثل تهديداً لأحد (هو رسالة طمأنة لإثيوبيا)»، لكنه أشار إلى أن «الحضور المصري الداعم للجيش الصومالي سوف يشكل رسالة ردع لأي قوى تستهدف التحرك داخل الصومال».
ويتصدر التعاون الأمني والعسكري أولويات القاهرة ومقديشو، في ضوء استمرار التحديات الأمنية التي يواجهها الصومال، وفق مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير صلاح حليمة، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «القمة المصرية-الصومالية بالقاهرة تؤكد الموقف المصري الداعم لوحدة وسيادة الصومال».
ويرى حليمة أن «رفع مستوى العلاقات للشراكة الاستراتيجية يعزز من روابط القاهرة ومقديشو، خصوصاً في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والأمن الغذائي».
وشهد السيسي وشيخ محمود، في القاهرة، التوقيع على مذكرتَي تفاهم بين وزارتَي خارجية مصر والصومال، في مجال التدريب الدبلوماسي، والإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية، بما يعزز من آليات المشاورات والتنسيق بين البلدين، حسب «الرئاسة المصرية».
واستضافت القاهرة، الأربعاء، «المنتدى الأول لرجال الأعمال المصريين والصوماليين» الذي ناقش «تعزيز التعاون في مجالات الاستثمار والتجارة» عبر تدشين منطقة لوجيستية لتبادل السلع في مقديشو، حسب «اتحاد الغرف التجارية» المصرية.