بعد عامين من الأداء الضعيف للسندات بشكل لافت، قد يجد المستثمرون صعوبة في تصديق أن عام 2025 قد يصبح «عام السندات». ومع ذلك، توجد أسباب قوية تدعو للتفاؤل بأن هذه المرة قد تكون الثالثة المحظوظة.
تعرضت الأصول الثابتة، وفي مقدمتها سندات الخزانة الأميركية والسندات الحكومية الأخرى، لضغوط كبيرة، خاصة منذ عام 2022، عندما رفعت البنوك المركزية أسعار الفائدة في مسعى لاحتواء التضخم الذي انفجر بفعل جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا. وكانت آخر مرة حققت فيها سندات الخزانة الأميركية مكاسب سنوية مزدوجة الرقم في عام 2008، عندما سجل مؤشر سندات الحكومة الأميركية «ICE BofA» عائداً بنسبة 14 في المائة، وفق «رويترز».
ورغم أن سندات الخزانة حققت مكاسب متواضعة في عامي 2023 و2024، فإن سندات الشركات تفوقت عليها بأداء أفضل بكثير. ومع ذلك، ظلت كلتاهما بعيدة عن مكاسب مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، التي بلغت 24 في المائة و23 في المائة على التوالي.
أداء السندات في ظل التحديات
على الرغم من ارتفاع تكاليف الاقتراض، تمكنت «وول ستريت» من تحقيق أداء قوي وازدهرت بفضل النمو الاقتصادي الأميركي القوي والطفرة في قطاع الذكاء الاصطناعي. فإن أداء السندات كان أقل بوضوح، مما عزز الفكرة القائلة بأنها استثمار غير مثالي في بيئة أسعار الفائدة المرتفعة.
كما اكتسبت هذه الفكرة مزيداً من الزخم مع تدهور ديناميكيات الدين والعجز في الولايات المتحدة. فقد شهدت واشنطن ارتفاعاً كبيراً في مدفوعات الفوائد والاقتراض والإنفاق الحكومي، مما أثار شكوكاً متزايدة بشأن قدرة الإدارة الأميركية على ضبط أوضاعها المالية.
وليس من المستغرب إذن أن تصل «مكافأة الأجل» إلى أعلى مستوياتها خلال عقد كامل. وتشير هذه المكافأة إلى التعويض الإضافي الذي يطلبه المستثمرون لتحمل مخاطر الإقراض طويل الأجل للحكومة الأميركية عبر سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، بدلاً من القروض قصيرة الأجل. نتيجة لذلك، لم تعد سندات الخزانة تُعتبر أداة تحوط موثوقة ضد احتمالات انخفاض أسعار الأسهم، وفقاً لما يدعيه البعض.
نظرة مغايرة
لكن كريس إيغو، رئيس معهد الاستثمار في «أكسا آي إم»، يختلف مع هذا الطرح. فهو يرى أن الأبحاث التاريخية على مدى العقود الأربعة الماضية تظهر أن العوائد المرتفعة الحالية على السندات غالباً ما ترتبط بعوائد إجمالية إيجابية خلال الأشهر الـ 12 التالية. ويشير إيغو إلى أن مؤشر «بلومبرغ» المجمع لسندات الحكومة الأميركية حقق عوائد إيجابية شهرية في 90 في المائة من الحالات منذ عام 1985، عندما تجاوز عائد المؤشر 4.6 في المائة.
ويدعم بعض التاريخ الحديث هذا الرأي. ففي العقد الذي سبق الأزمة المالية العالمية، كانت تكلفة الائتمان أعلى بكثير، حيث تراوح عائد السندات لأجل 10 سنوات بين 4-7 في المائة، وكانت العوائد الحقيقية ومكافأة الأجل أعلى باستمرار مما هي عليه اليوم. وخلال تلك الفترة، تضاعف مؤشر «ICE BofA» وحقق عوائد إيجابية في جميع السنوات باستثناء واحدة. وفي المقابل، شهد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» تضاعفاً مماثلاً، لكنه تكبد ثلاث سنوات متتالية من الخسائر السنوية الكبيرة، مما أدى إلى انخفاض قيمته إلى النصف.
ثقة المستثمرين مستمرة
ورغم أن عصر أسعار الفائدة المنخفضة الذي كان داعماً للسندات قد انتهى بعد الأزمة المالية العالمية، فإن هذا لا يعني أن مستثمري السندات يجب أن يشعروا بالقلق. السيولة وفيرة، ومخاطر التخلف عن السداد منخفضة، ويمكن للمستثمرين تحقيق دخل مغرٍ، خاصة مع الطلب المرتفع على السندات، كما يظهر في الطلب القياسي على مبيعات الديون الفرنسية والإسبانية هذا الأسبوع.
وتشير تدفقات رأس المال أيضاً إلى استمرار ثقة المستثمرين في السندات. فقد استقطبت صناديق السندات الأميركية تدفقات قياسية بلغت 435 مليار دولار العام الماضي، وفقاً لـ«تي دي سكيوريتيز». ومن المتوقع أن يستمر هذا الزخم خلال العام الجاري، مدفوعاً بالطلب العالمي القوي على الدخل الثابت الأميركي والعوائد الجذابة، إلى جانب احتمالية استمرار الاقتصاد الأميركي في تحقيق هبوط ناعم.
السندات مقابل الأسهم
تبدو السندات أيضاً رخيصة مقارنة بالعديد من المعايير الأخرى. ويشير محللو «سيتي غروب» إلى أن مبيعات سندات الخزانة الأميركية في الشهر الماضي جاءت ضمن 15 في المائة الأعلى منذ عام 2000.
وعند المقارنة مع الأسهم، تصبح الصورة أكثر وضوحاً. فـ«مكافأة المخاطرة» للأسهم – الفرق بين عائد أرباح مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» وعائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات – هي الآن عند أدنى مستوياتها منذ 25 عاماً، بل أصبحت في بعض الحالات سلبية. وحتى في سوق سندات الشركات الاستثمارية، حيث كانت الفروقات ضيقة تاريخياً، تشير البيانات إلى فجوة واسعة. فتقدّر شركة «أنغل أوك كابيتال أدفايزرز» أن عائد أرباح مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» أقل بنحو نقطتين مئويتين من متوسط عائد مؤشر سندات الشركات الاستثمارية في «بلومبرغ»، وهو فارق لم يُشاهد منذ عقود.
رغم الشكوك التي تراود بعض المستثمرين بعد عامين من الأداء الضعيف، فإن الدعوة إلى العودة إلى سوق السندات تبدو أكثر إقناعاً. الظروف مهيأة، والعوامل الداعمة متوفرة، مما قد يجعل من عام 2025 نقطة تحول حقيقية. قد تكون هذه هي الفرصة الثالثة التي تتحقق فيها التوقعات بنجاح بعد محاولتين سابقتين لم تثمرا.